قصة قصيرة لـ د/مسعد أحمد مسرور « الملكة الطيبة »
كانت عائدة طفلة صغيرة بريئة تعيش مع والدها وأمها، لقد كانت مرحة تحب اللعب مع أصدقائها وصديقاتها من الأطفال. وذات يوما جميلاً ممطرا رأت سيارة بيضاء اللون تقف بجانب منزلهم الصغير، ويخرج من أبوابها رجال ونساء يلبسون ملابس بيضاء بياض الحليب الذي تشربه يوميا
وقفت في حيرة تنظر لتلك السيارة وتتاملها بإعجاب ، لأول مرة تشاهد مثلها ،سألت اقرانها من الأطفال: من هؤلاء؟؟ لم تجد جوابا يقنعها. سارت مسرعة إلى البيت ودخلت بيتهم ، ووجدت أمها مع بعض صديقاتها جلوسا في غرفة من غرف البيت يتبادلون الأحاديث والذكريات الشيقة . قالت : يا أمي يا أمي بجانب بيتنا وقفت سيارة بيضاء اللون ،- متى يا ابنتي ؟ الآن الآن يا أمي وخرج منها ناس يلبسون ملابس بيضاء . اطلت أمها من النافذة تنظر إلى الزقاق المطل عليه بيتهم _ اه يا ابنتي هذه سيارة الاسعاف اكيد يمكن هناك مريض أو مريضة من الجيران . قالت : عائدة ما معنى كلمة إلاسعاف يا أمي ؟ قالت :صديقة أمها سميرة أنها سيارة الأطباء والممرضين يحملون فيها مرضاهم للعلاج اما مريم صديقة أمها الاخرى فقد قالت: انهم ملائكة الرحمة وملابسهم بيضاء اللون يا عائدة ،قالت عائدة لقد عرفت الآن ، يااللهي أريد أن أكون مثلهم، يا أمي أريد أن أكون في المستقبل مثلهم ، أريد أن أكون ملكة من ملائكة الرحمة يا أمي العزيزة
أريد البس هذه الملابس البيضاء الجميلة. وظلت عائدة تحلم ليل نهار أن تكون ملكة من ملائكة الرحمة لتخدم المرضى وتخفف من ألم الأوجاع الذي تصيبهم. لقد ظلت عائدة كلما شاهدت طبيباً اوطبيبة ، ممرضا أو ممرضة يدق قلبها بشدة تحس بالسعادة تغمرها والفرح يجتاحها لمشاهدتهم ، ان مشاهدتها لملائكة الرحمة وهم يصولون ويجولون في المستوصفات والمستشفيات يسعدها ويفرحها وخاصة عندما تراهم يعالجون المرضى ويخففون الآلام عنهم. افاقت عائدة من ذكرياتها الشيقة ذكريات الطفولة القديمة، ونظرت إلى الفتاة التي أمامها وهي تتألم وتتلوى وتصرخ من جرى أوجاع الولادة وآلام المخاض، لقد قرر الطبيب المختص أجرى عملية جراحية قيصرية لخروج المولود إلى النور. لكن الممرضة عائدة تلك الفتاة الجميلة الطيبة الخلوق رقيقة المشاعر ،قد أدركت أن الطبيب الكبير تسرع في إتخاذ قرار أجرى العملية القيصرية لتلك الفتاة الحامل، قالت عائدة في نفسها لماذا تسرع الطبيب ؟ لماذا يتسرع الأطباء في أجرى العمليات القيصرية للنساء ؟؟؟--نعم اعتقد من أجل المال ليس إلا ، إن هذه الفتاة البكر يمكن أن تولد بشكل تلقائي طبيعي، لكن الطبيب يريد أتعاب ثمن العملية الجراحية التي سوف تدر عليه هو والمستشفى مالا كثيرا .
يااللهي لقد تحول الأطباء من ملائكة للرحمة إلى شياطين لجمع الاموال من خلال أوجاع والام المرضى، لقد تحولت مهنة الطب إلى مهنة تجارية لقد تحول الأطباء إلى تجار جشعين. أين الخوف من الله؟ اين الخلاق؟ اين الضمير الإنساني الذي ينبض في قلوبهم؟أين شرف هذه المهنة الإنسانية؟؟؟؟ كانت عائدة تتألم وهي ترى تلك الفتاة الحامل أمامها مستلقية على سريرها مستسلمة لمصيرها، مستسلمة للعملية الجراحية القيصرية بينما أقاربها وافقوا ووقعوا وبصموا على أجرى العملية الجراحية لها في أقصى سرعة ممكنة . لكن في اخر اللحظات امتلكت الممرضة عائدة شجاعتها وتحرك بقوة ضميرها الانساني وطلبت من الطبيب الجراح واقارب الفتاة الإنتظار ساعة من الوقت لكي تقوم هي برعايتها والإشراف على توليدها . قالت للطبيب أعطني فرصة لمدة ساعة من فضلك لاقوم بتوليدها، قالت لزوج الفتاة وأقاربه أعطوني فرصة من فضلكم ،رجائي أعطوني فرصة كانت تتكلم والدموع تنهمر من عينيها. اندهش الطبيب الجراح واقارب الفتاة من كلام الممرضة، لقد كانت متحمسةوواثقة من نفسها وقدراتها من خلال كلماتها ونبرات صوتها التي تشعرك بأنها قادرة على توليدها بشكل طبيعي وتلقائي، لقد امتلكت الشجاعة والجسارة الفولاذية غير عابئة بالعواقب واتخاذ إجراءات عقابية ضدها من قبل الطبيب وإدارة المستشفى التجاري . وبينما الممرضة تتحدث برقت عين الطبيب بالحقد والغضب على كلامها وطلبها العارض المعرقل لعمل الطبيب، ولكن في الاخير استسلم لطلبها وهو يتوقع فشلها الذريع، وسارت الممرضة إلى غرفة الولادة هي والفتاة الحامل تصحبهما أمها التي تدعو للممرضة بالتوفيق في عملها وتدعو لابنتها ولادة متيسرة. وبعد ساعة من دخولهم إلى غرفة الولادة سمع الطبيب واقارب الفتاة وهم في غرفة الإنتظار صياح المولود وزغاريد أم الفتاة ، لقد وضعت ابنتها مولودها البكر بشكل طبيعي بدون عملية جراحية قيصرية ،وهذا بفضل الممرضة الرائعة واتقانها وتفانيها في عملها لخدمة المرضى .
انذهل واندهش الجميع لقد كانت الممرضة عائدة هي من قام واشرف على توليدها أنها البطلة البيضاء كانت تنظر إلى الطفل الذي بين يديها وهي تنظفه وتبتسم له وهو ينظر إلى عينيها الجميلتين. إنها الملكة البيضاء كانت الدموع دموع الفرح تنهمر من عينيها وهي تارة تنظر إلى الطفل وتارة تنظر إلى أم الطفل وتبادلها الام الإبتسامة إبتسامة الشكر والعرفان بالجميل . إنها ملكة الرحمة ، الا تستحق هذه الملكة الطيبة التكريم على عملها الجبار البطولي والإنساني. لكن الممرضة عائدة لا يهمها إلا إرضاء ربها الذي خلقها ولا يهمها إلا رضاء ضميرها الانساني الرحيم تجاه مهنتها مهنة الطب الذي أقسمت على الاشتغال بها. إنها ملكة الرحمة بحق وحقيقة لا شك فيها . انها ملكة الرحمة الجميلة الطيبة ذات المشاعر الرقيقة التي يكتسي وجهها بجمال البراءة والطيبة والخلاق الحسنة. انها الممرضة عائدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق